فاطمة الزهراء بنت رسول الله وسيدة أهل الجنة
هي فاطمة الزهراء بنت إمام المتقين رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمية، صلى الله على أبيها وآله وسلم، ورضي عنها وأرضاها.
كانت تكنى بـ "أم أبيها" ، وتلقب بـ "الزهراء"، وكانت أصغر بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحبهن إليه.
روت عن أبيها، وروى عنها ابناها وأبوهما وعائشة وأم سلمة وسلمى أم رافع وأنس وأرسلت عنها فاطمة بنت الحسين وغيرها، رضي الله عنهم أجمعين .
وأمها خديجة بنت خويلد ابن أسد ابن عبد العزى ابن قصي، ولدتها وقريش تبنى الكعبة وذلك قبل النبوة بخمس سنين .
مناقبها رضي الله عنها:
مناقب فاطمة وفضائلها رضي الله عنها لا تكاد تعد أو تحصى، فلو ما ذكر منها سوى ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكفتها:
"يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة" .
ولكننا نعرض لأهم وأصح ما جاء في تلك المناقب، عساها تكون نبراسا تهتدي به نساء الأمة، وأسوة يقتفى أثرها، وقدوة لمن جعلت الآخرة همها ومعادها.
شهادة عائشة لها :
* عن عائشة رضي الله عنها قالت: " ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها" .
* وعنها رضي الله عنها قالت: "ما رأيت أفضل من فاطمة غير أبيها، قالت -وكان بينهما شيء- فقالت: يا رسول الله سلها فإنها لا تكذب" وفي رواية قالت: "ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة" .
سيدة نساء الجنة:
* عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة" .
* وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون" .
سيدة نساء الأمة:
* عن عائشة أم المؤمنين قالت: "إنا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعا لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة عليها السلام تمشي لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رحب قال: مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم سارها فبكت بكاء شديدا، فلما رأى حزنها سارها الثانية فإذا هي تضحك، فقلت لها أنا من بين نسائه: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسر من بيننا ثم أنت تبكين، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عما سارك قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره. فلما توفي قلت لها عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني، قالت: أما الآن فنعم. فأخبرتني قالت: أما حين سارني في الأمر الأول فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة وإنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري فإني نعم السلف أنا لك، قالت فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية قال: يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة" .
مكانتها من أبيها عليه الصلاة والسلام:
* عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني" وفي رواية: "يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها" .
* وعن النعمان بن بشير: استأذن أبو بكر على المصطفى، فسمع عائشة عاليا وهي تقول:
"والله لقد عرفت أن فاطمة وعليا أحب إليك مني ومن أبي مرتين أو ثلاثا، فاستأذن أبو بكر فأهوى عليها، فقال: يا بنت فلان، ألا سمعتك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم" .
* وفي المسند من حديث أم سلمة قالت:
" بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي يوما إذ قالت الخادم إن عليا وفاطمة بالسدة، قالت فقال لي قومي فتنحي لي عن أهل بيتي، قالت فقمت فتنحيت في البيت قريبا، فدخل علي وفاطمة ومعهما الحسن والحسين وهما صبيان صغيران، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما، قال واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى، فقبل فاطمة وقبل عليا فأغدف عليهم خميصة سوداء فقال: اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي" .
* وعن المسور بن مخزمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
" إن فاطمة بضعة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله تحت رجل واحد أبدا" .
* وأخرج أبو عمر عن ابن بريدة عن أبيه قال: "كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ومن الرجال علي بن أبي طالب" .
زواجها رضي الله عنها:
إن من يتدبر بإمعان في قصة زواج فاطمة رضي الله عنها، وهي بنت إمام المتقين وسيد الأولين والآخرين، وهي سيدة نساء أهل الجنة، وسيدة نساء الأمة، ليقف مشدوها من فرط ما يجد فيها من الدروس والعبر، ومن مواقف مثلى لما يجب أن تكون عليه نساء المسلمين وأسرهن في تيسير الزيجات، ورضا بالقليل عند توافر الدين والخلق، وتواضع وصبر وقناعة... فيا ليت المسلمين اليوم يجتهدون في العودة إلى عزتهم وسؤددهم، إلى الاقتداء ببيت النبوة، ويحرصوا على التأسي بخير الأنام وأهل بيته الطاهرين، عوض الانغماس في براثن التقليد والمباهاة، والتشبه بأهل الكفر والرذيلة، حتى آلت مجتمعاتهم وأسرهم إلى شتى أنواع وأصناف التصدع والشقاق والانحلال، ناهيك عن استعصاء التحصن بالزواج لكثير من بغاة العفاف والفضيلة.
* فعن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه قال: "تزوج علي بن أبي طالب فاطمة بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في رجب بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر، وبنى بها مرجعه من بدر، وفاطمة يوم بنى بها علي بنت ثماني عشر سنة" .
* وروى ابن سعد عن رجل سمع عليا يقول: "أردت أن أخطب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم بنته فقلت: والله مالي من شيء. قال: وكيف؟ قال ثم ذكرت صلته وعائدته فخطبتها إليه فقال: وهل عندك شيء؟ قلت: لا. قال: وأين درعك الحطمية التي أعطيتك يوم كذا وكذا؟ قال: هي عندي. قال: فأعطها إياها. قال فأعطاها إياها" .
* وعن عامر قال: قال علي: "لقد تزوجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه الناضح بالنهار، وما لي ولها خادم غيرها" .
* وعن عطاء بن السائب عن أبيه عن علي "أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما زوجه فاطمة بعث معها بخملة ووسادة أدم حشوها ليف ورحائين وسقاء وجرتين. قال: فقال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد سنوت حتى قد اشتكيت صدري وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه. فقالت: وأنا والله قد طحنت حتى مجلت يداي. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما جاء بك يا بنية؟ قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت، فقال: ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله. فأتياه جميعا فقال علي: والله يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: قد طحنت حتى مجلت يداي، وقد أتى الله بسبي وسعة فاخدمنا. قال: والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم أنفق عليهم أثمانهم. فرجعا فأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفتهما، إذا غطيا رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما، فثارا فقال: مكانكما، ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ فقالا: بلى. فقال: كلمات علمنيهن جبريل: تسبحان في دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا، وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين. قال: فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله. فقال له بن الكواء: ولا ليلة صفين؟ فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق، ولا ليلة صفين" .
* وعن أبي البختري، قال: "قال علي لأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم: اكفي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخدمة خارجاً وسقاية الماء الحاج، وتكفيك العمل في البيت العجن والخبز والطحن. قال أبو عمر: فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب ولم يتزوج علي عليها غيرها حتى ماتت" .
وفاتها رضي الله عنها:
* عن أم جعفر "أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لأسماء بنت عميس: يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها. فقالت أسماء: يا بنت رسول الله ألا أريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً فقالت فاطمة ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجال فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي ولا تدخلي علي أحداً. فلما توفيت جاءت عائشة تدخل، فقالت أسماء: لا تدخلي فشكت إلى أبي بكر فقالت: إن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء أبو بكر فوقف على الباب فقال: يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلت لها مثل هودج العروس؟ فقالت: أمرتني ألا يدخل عليها أحد، وأريتها هذا الذي صنعت، وهي حية فأمرتني أن أصنع ذلك لها قال أبو بكر: فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف فغسلها علي وأسماء.
قال أبو عمر: فاطمة رضي الله عنها أول من غطي نعشها من النساء في الإسلام على الصفة المذكورة في هذا الخبر ثم بعدها زينب بنت جحش رضي الله عنها صنع ذلك بها أيضاً.
وماتت فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أول أهله لحوقاً به، وصلى عليها علي بن أبي طالب. وهو الذي غسلها مع أسماء بنت عميس ولم يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنيه غيرها" .
وتوفيت فاطمة رضي الله عنها بعد وفاة أبيها عليه أفضل الصلاة والتسليم بنحو ستة أشهر، قال الحافظ بن حجر:
"قال الواقدي: توفيت فاطمة ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة. ومن طريق عمرة: صلى العباس على فاطمة ونزل في حفرتها هو وعلي والفضل.
ومن طريق علي بن الحسين أن علياً صلى عليها ودفنها بليل بعد هدأه.
وذكر عن بن عباس أنه سأله فأخبره بذلك.
وقال الواقدي: قلت لعبد الرحمن بن أبي الموالي: إن الناس يقولون: إن قبر فاطمة بالبقيع. فقال: ما دفنت إلا في زاوية في دار عقيل وبين قبرها وبين الطريق سبعة أذرع" .