عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس " رواه البخاري ومسلم و(( العَرَض )) : أي متاع الدنيا.
كثير من الناس يظن أن الغنى ليس إلا كثرة المال من نقود وأسهم وعقارات وتجارات وغيرها و عندهم أن من ليس كذلك فليس من أهل الغنى لكن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يلفت الأنظار إلى المعنى الحقيقي للغنى .
فكم من الناس عنده من أصناف المال الكثير لكنه يعيش فقرا حقيقيا فتراه دائما خائفا مهموما يسعى في زيادة ماله خوفا من الفقر يبخل بالنفقة في أوجه الخير حتى لا يقل ماله بل ربما قطع رحمه لنفس الأسباب كما تراه متطلعا إلى ما عند الآخرين فمثل هذا يعيش فقرا دائما ملازما له لأنه لم يرض بما قسمه الله تعالى له ولأن الدنيا في قلبه قد استقرت.
إياك والتطلع لما في أيدي الناس
فإن الله عز وجل يقول: { وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } ( سورة طـه:131).
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس"
معناه : اقنع بما أعطاك الله، و اجعله حظك من الرزق، تكن أغنى الناس، فإن من قنع استغنى.
وإذا رأيت من هو أكثر منك مالا وولدا فاعلم أن هناك من أنت أكثر منه مالا وولدا فانظر إلى من أنت فوقه ولا تنظر إلى من هو فوقك، وإلى هذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انظروا إلى من هو أسفل منكم. ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تَزْدروا نعمة الله عليكم " متفق عليه.
فقر القلوب هو الداء
فقد جاء في بعض روايات هذا الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى ؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : أفترى قلة المال هو الفقر ؟ قال : قلت : نعم يا رسول الله ، قال : إنما الغنى غنى القلب ، والفقر فقر القلب " .
ولهذا فإن من كان فقير القلب قد لا يبالي أربح المال من حلال أم من حرام .
وليس معنى كلامنا أن يمتنع الناس عن العمل والتكسب ، ومحاولة تحقيق الغنى بأوجه الكسب الحلال الطيب فإن القناعة لا تمنع التاجر من تنمية تجارته، ولا أن يضرب المسلم في الأرض يطلب رزقه، ولا أن يسعى المرء فيما يعود عليه بالنفع، بل كل ذلك مطلوب ومرغوب.
** أسأل الله تعالى أن يجعل غنانا في قلوبنا و وقانا جميعا الطمع والبطر و صلِّ اللهم وسلم و بارك على نبينا و رسولنا محمد و على آله وصحبه أجمعين **