بعد أعظم رحلة قضيناها في رمضان،
تذوَّقنا فيها حلاوة الطاعة، عشنا فيها بروح العبادة،
بعد رحلة تنقَّلنا فيها بين الصيام والقيام وفعل الخير،
تعرَّفنا فيها على قدراتنا الحقيقية،
أطعنا فيها ربنا سبحانه وتعالى،
وعصينا فيها النفس والشيطان والهوى،
بعد هذه الرحلة توجد بعض الوصايا المهمة:
1- احذر من العجب بالطاعة
فالمسلم يقف بعد رمضان- إذا كان ممن وفَّقه الله إلى حسن الصيام وحسن القيام،
وإذا كان ممن صامه إيمانًا واحتسابًا، وقامه إيمانًا واحتسابًا-
وقفةَ الفرح بفضل الله وتوفيقه
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾
(يونس).
ويسأل الله أن يتقبل منه ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾
(البقرة: من الآية127)
ولا يعجب بنفسه، فإياك والعجب بما وُفقت إليه من طاعة،
وإياك والغرور، فإنك لا تدري أقُبلت منك الطاعة أم لا،
ربما شابها شائبة من الرياء أو عدم الإخلاص أو العجب،
والعجب مهلك ومفسد للطاعة وللصوم..
قال علي رضي الله عنه: "سيئة تسوؤك خير عند الله من حسنة تعجبك".
وعبَّر عن ذلك بن عطاء في حكمه فقال: "ربما فتح الله لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول،
وربما قدَّر لك المعصية فكانت سببًا في الوصول،
ومعصية أورثت ذلاًّ وانكسارًا خير من طاعة أورثت عجبًا واستكبارًا"،
ذهب بعض الصالحين إلى زيارة شيخ لهم، وهو مريض مرض الموت
فوجدوه يبكي، فقالوا له: لم تبك وقد وفَّقك الله إلى الصالحات؟
كم صليت، وكم صمت، وكم تصدَّقت،
وكم حججت، وكم اعتمرت!!!،
فقال لهم: وما يدريني أن شيئًا من هذا قد قُبل،
والله تعالى يقول: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)﴾
(المائدة: من الآية27)
وما يدريني أنِّي منهم!.
2- لا تكن كالتي نقضت غزلها
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ﴾
(النحل: من الآية 92)
قال صاحب الظلال:
"فمثَّل الله من ينقض العهد مثل امرأة حمقاء ملتاثة ضعيفة العزم والرأي،
تفتل غزلها ثم تنقضه، وتتركه مرةً أخرى قطعًا منكوثة ومحلولة!،
وكل جزئية من جزئيات التشبيه تشي بالتحقير والترذيل والتعجيب،
وتشوِّه الأمر في النفوس وتقبِّحه في القلوب، وهو المقصود،
وما يرضي إنسانًا كريم النفس أن يكون مثله مثل هذه المرأة،
ضعيفة الإرادة الملتاثة العقل، التي تقضي حياتها فيما لا غناء فيه!.
وأنت أخي الكريم أترضى لنفسك هذا الحال؟
أترضى أن تعبد الله في رمضان وتعصاه في شوال وسائر الشهور؟
كن مثل نبيك صلى الله عليه وسلم: كان النبي صلى الله عليه وسلم عمله دائمًا طوال العام،
لمَّا سُئلت السيدة عائشة رضي الله عنها:
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصُّ يومًا بالقيام؟
فقالت: لا، كان عمله ديمة،
فعلى خطى الحبيب صلى الله عليه وسلم نسير،
ونكون على عمل دائم حتى ينتهي سباقنا ويأتينا أجلنا.
قال الحسن رضي الله عنه:
" إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت،
ثم قرأ ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)﴾
(الحجر).
3- من علامات قبول الطاعة أن تتبع بطاعة
ومما حثَّ عليه الإسلام دوام الطاعة بعد رمضان،
فيما حثنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم من صيام ست من شوال،
فقد قال صلى الله عليه وسلم:
"من صام رمضان، ثم أتبعه ستًا من شوال، فكأنما صام الدهر"
(رواه مسلم).
والمراد بالدهر هنا: السَّنة، أي كأنما صام السنة كلَّها،
فإذا حافظ على صيام ذلك طوال السنين، فكأنما صام الدهر.