شرح حديث [ تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا : .... ]
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على سيد المرسلين نبينا محمد و على آله و صحبه اجمعين ...
[عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم ، فقالوا : أعملت من خير شيئا ؟ قال : لا ، قالوا : تذكر ، قال : كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ، و يتجاوزوا عن الموسر ، قال الله عز وجل : تجوزوا عنه . ]
تخريجه :
رواه مسلم في باب فضل انظار المعسر و البخاري في باب من انظر معسرا ..
غريبه :
يتجاوزوا : يتسامحوا
ينظروا : يمهلوا و يؤخروا
معناه :
هذا الحديث الشريف من جملة الأدلة على صحة القاعدة المشهورة عند العلماء : الجزاء من جنس العمل .
فالله تعالى أوحى إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصة رجل من بني اسرائيل كان يعامل الناس بيعا و شراء ، و كان من خلقه التجاري أن يتسامح ، و لا شيء سواه من الخير عنده ،
فحياته حياة تجارية ، لكن الله تعالى أكرمه فحلاه بهذا الخلق الحسن الذي أدى به إلى عاقبة حسنة .
تلقته الملائكة للحساب ،
فسئل : هل عندك عمل صالح خير ؟
فقال : لا ، فذكروه ، فتذكر ،
قال : نعم ، كنت أعامل الناس باليسر و السماح ،
كنت آمر غلماني الذين يعملون عندي أن يحسنوا إلى من يتعاملون معه ،
فمن استدان منهم و تأخر لكونه معسرا ليس عنده من المال ما يقضي دينه ، أوصيتهم أن يمهلوه : (و إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة )
و من تعامل معهم فاشترى منهم شيئا و كان موسرا كنت أوصيهم بالتسامح معه في استيفاء الثمن ، كما جاء في رواية أخرى [ كنت انظر المعسر و أتجوز في السكة ] و السكة هي النقد : الدنانير و الدرهم .
فكان جزاؤه من الله عز وجل من جنس عمله ،
لكن شتان بين عظم العمل و جزائه ، فهذا التاجر يحصل على نتيجة حسن خلقه في الدنيا ، و ذلك بإقبال الناس على التعامل معه ، هذا جزاؤه العاجل ، أما جزاؤه الآجل فقول الله تعالى لملائكته ( تجوزوا عنه ..)
أو ..( أنا أحق بذا منك ، تجاوزوا عن عبدي ..)
و متى هذا ؟ هذا [ يوم يفر المرء من أخيه * و أمه و أبيه * و صاحبته و بنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه * ]
في ذلك اليوم يلقيه الله تعالى بهذا التجاوز عنه ، فحيهلا به من جزاء !،
و لا عجب ، فهذا من العبد و ذاك من رب العباد .
و ألا ترى إلى المرأة _ و هي ما هي _ حين احسنت إلى كلب يلهث الثرى ، غفر الله لها !
و إلى الذي أزاح غصن شوك عن طريق المسلمين لا يؤذيهم ، غفر الله له !
و إلى المرأة الأخرى عذبها الله بناره حين حبست هرة عن الطعام أو من خشاش الأرض !
فلا يحقرن أحد من المعروف شيئا ، و لو مع حيوان ، و لا يستسهلن إساءة إلى أحد و لو إلى حيوان ، فإن احدنا لا يدري من أين تأتيه السعادة أو غيرها ...
أسأل الله أن يوفقنا لكل خير و لما فيه صلاح لنا في ديننا و دنيانا ..