سم الله الرحمن الرحيم
النَّسْــخ تعريفه
النسخ لغة: الإزالة والنقل
واصطلاحاً: رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب والسنة
فالمراد بقولنا: (رفع حكم) ؛ أي: تغييره من إيجاب إلى إباحة، أو من إباحة إلى تحريم مثلاً
فخرج بذلك تخلف الحكم لفوات شرط أو وجود مانع، مثل أن يرتفع وجوب الزكاة لنقص النصاب، أو وجوب الصلاة لوجود الحيض؛ فلا يسمى ذلك نسخا
والمراد بقولنا: (أو لفظه) ، لفظ الدليل الشرعي؛ لأن النسخ إما أن يكون للحكم دون اللفظ أو بالعكس أو لهما جميعاً؛ كما سيأتي
وخرج بقولنا: (بدليل من الكتاب والسنة) ؛ ما عداهما من الأدلة كالإجماع والقياس فلا ينسخ بهما
والنسخ جائز عقلاً وواقع شرعاً
أما جوازه عقلاً: فلأن الله بيده الأمر، وله الحكم؛ لأنه الرب المالك، فله أن يشرع لعباده ما تقتضيه حكمته ورحمته، وهل يمنع العقل أن يأمر المالك مملوكه بما أراد؟
ثم إن مقتضى حكمة الله ورحمته بعباده أن يشرع لهم ما يعلم تعالى أن فيه قيام مصالح دينهم ودنياهم، والمصالح تختلف بحسب الأحوال والأزمان، فقد يكون الحكم في وقت أو حال أصلح للعباد، ويكون غيره في وقت أو حال أخرى أصلح، والله عليم حكيم
وأما وقوعه شرعاً فلأدلة منها
1 - قوله تعالى: )مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)(البقرة: الآية106)
2 - قوله تعالى: )الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُم)(لأنفال: من الآية66) (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنّ)(البقرة: الآية187) فإن هذا نص في تغيير الحكم السابق
3- قوله صلّى الله عليه وسلّم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فهذا نص في نسخ النهي عن زيارة القبور
ما يمتنع نسخه
يمتنع النسخ فيما يأتي
1- الأخبار، لأن النسخ محله الحكم، ولأن نسخ أحد الخبرين يستلزم أن يكون أحدهما كذباً، والكذب مستحيل في أخبار الله ورسوله، اللهم إلا أن يكون الحكم أتى بصورة الخبر، فلا يمتنع نسخه
كقوله تعالى: )إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) (الأنفال: الآية65) الآية، فإن هذا خبر معناه الأمر، ولذا جاء نسخه في الآية التي بعدها، وهي قوله تعالى: )الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ)(الأنفال: الآية66)
2- الأحكام التي تكون مصلحة في كل زمان ومكان: كالتوحيد، وأصول الإيمان وأصول العبادات ومكارم الأخلاق من الصدق والعفاف، والكرم والشجاعة، ونحو ذلك؛ فلا يمكن نسخ الأمر بها
وكذلك لا يمكن نسخ النهي عما هو قبيح في كل زمان ومكان كالشرك والكفر ومساوئ الأخلاق من الكذب والفجور والبخل والجبن ونحو ذلك، إذ الشرائع كلها لمصالح العباد ودفع المفاسد عنهم.