تُعدّ المدينة المنوّرة مُهاجَرْ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومثواه، فيها المسجد النّبويّ الشّريف الّذي هو أحد ثلاثة مساجد لا تُشَدّ الرِّحال إلاّ إليها كما قال عليه الصّلاة والسّلام: ”لا تُشَدّ الرِّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى”.
مع أنّ زيارة المسجد النّبويّ الشّريف ليست شرطًا أو واجبًا في الحجّ، إلاّ أنّها مشروعة ومستحبة في أيّ وقت طوال العام. فإذا وفّق اللّه المَرء ويسّر له الوُصول إلى بلاد الحرمين الشّريفين، يُسنّ له الذّهاب إلى المدينة النّبويّة للصّلاة في مسجد سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ثمّ ليُسلّم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، كما تُعدّ الصّلاة في المسجد النّبويّ خيرًا من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام، فالصّلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة.
فإذا توجّه الزّائر قاصد زيارة مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فليُكْثِر من الصّلاة والتّسليم عليه صلّى اللّه عليه وسلّم في طريقه، وليستحضر في قلبه شرف المدينة، وأنّها أفضل الأرض بعد مكّة عند بعض العلماء، وعند بعضهم أفضلها مطلقًا.
فإذا وصل الزّائر إلى مسجده صلّى اللّه عليه وسلّم، يقدّم رجله اليُمنى في الدخول وليقل: ”بسم اللّه والصّلاة والسّلام على رسول اللّه، أعوذ باللّه العظيم وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشّيطان الرّجيم، اللّهمّ افتح لي أبواب رحمتك”.
وبعد دخوله المسجد النّبويّ الشّريف يُبادر بصلاة ركعتين تحية المسجد، في روضته الشّريفة عليه الصّلاة والسّلام، وإلاّ يُصلّ في أيّ مكان من المسجد. ولا شكّ أنّ زيارة قبر سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والسّلام عليه وعلى صاحبيه رضي اللّه عنهما من القُرَبات المستحبة، فيَذهب إلى قبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ويقف أمامه مُستقبلاً له ويَبدأ بالسّلام عليه صلّى اللّه عليه وسلّم بأدب وصوت منخفضٍ قائلاً :«السّلام عليك أيُّها النّبيّ ورحمة اللّه وبركاته، اللّهمّ آتِهِ الوَسيلة والفَضيلة وابْعَثْهُ المَقام المحمود الّذي وَعدته، اللّهمّ أجزه عن أمّته أفضل الجزاء”، روى الإمام مالك في الموطأ عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما أنّه كان يأتي قبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيُسلِّم عليه ثمّ على أبي بكر ثمّ على عمر رضي اللّه عنهما.
ثمّ يتحوّل إلى اليمين قليلاً لِيَقِف أمام قبر أبي بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه، قائلاً: ”السّلام عليك يا أبا بكر صفيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وثانيه في الغار، جزاك اللّه عن أمّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيرًا”، ثمّ يتحوّل قليلاً مرّة أخرى إلى يمينه ليقف أمام قبر عمر رضي اللّه عنه قائلاً: ”السّلام عليك يا عمر الّذي أعزّ اللّه به الإسلام، جزاك اللّه عن أمّة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيرًا”، ويدعو لهما ويترَضّى عنهما. ويُكره للزّائر أن يرفع صوته رَفعًا فاحشًا عند القبر بالسّلام؛ لأنّ ذلك يُنافي الأدب مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال اللّه تعالى: {يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنوا لا تَرْفَعُوا أصْوَاتَكُم فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُم لِبَعْضٍ أنْ تَحْبَطَ أعْمَالَكُم وَأَنْتُم لا تَشْعُرُون} الحجرات:2.
وينبغي للزّائر أن يَحرِص على أداء الصّلوات الخمس في مسجده صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وأن يغتنم وقته بالإكثار من الذِّكر والدّعاء وصلاة النّافلة؛ لما في ذلك من الأجر الجزيل.
ويُسَن له زيارة مسجد قباء والصّلاة فيه، لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يزوره راكبًا وماشيًا ويُصلّي فيه ركعتين، وقد قال صلّى اللّه عليه وسلّم كما في الصّحيحين: ”مَن تَطَهَّر في بيته، ثمّ أتَى مسجد قباء فصَلَّى فيه صلاة كان له أجر عمرة”.
كما يُسنّ له زيارة قبور أهل البقيع، الّتي تضمّ العديد من الصّحابة ومنهم الخليفة الثالث سيّدنا عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه وقبور شهداء أحد ومنهم سيِّد الشّهداء حمزة بن عبد المطلب رضي اللّه عنه، يُسلِّم عليهم ويدعو لهم؛ لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يزورهم ويدعو لهم، ويدعو بالدّعاء المأثور: ”السّلام عليكم أهلَ الدّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء اللّه بكُم لاحقون، نسأل اللّه لنا ولكم العافية”.